القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار

هل العالم مستعد لجيل سادس من الشبكات؟ 6G

هل العالم مستعد لجيل سادس من الشبكات؟

   

خلال السنوات الستة الأخيرة، تسابقت شركات الاتصالات في العالم على توسعة ونشر شبكات الجيل الخامس للاتصالات في بلدان عدة، واليوم يستخدم حوالي أكثر من مليار ونصف المليار هذا الجيل من الاتصالات، وبالرغم أن شبكات الجيل الخامس لا تزال غير منتشرة في كثير من الأماكن إلا أن باحثين وخبراء أجروا دراسات حول معمارية شبكات الجيل السادس، وبالفعل قام عمالقة شركات الاتصالات بإجراء اختبارات ونماذج لهذا النوع من الشبكات. في هذه المقال سنستعرض لكم مفهوم شبكات الجيل السادس وكيف تختلف عن الأجيال الأخرى؟ وما هي التقنيات التي سوف تظهر بفضل مميزات شبكات هذا الجيل؟ وقبل الحديث عن الجيل المتطور من الشبكات، لنأخذ جولة سريعة على الأجيال الخمسة السابقة. في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، عندما ظهرت الاتصالات الخلوية المتنقلة، حدث تطورها على شكل طفرات قوية وإيقاعية إلى حد ما، وفي التسعينيات، ولد الجيل الثاني من الأنظمة الخلوية 2G وظهرت معه إمكانيات وقدرات غير مسبوقة للتبادل الصوتي وتشفير الاتصالات فحسب، بل قدم أيضًا القدرة على إرسال الرسائل النصية - وحتى رسائل الوسائط المتعددة- بين المشتركين.

وحين ظهرت شبكات الجيل الثالث 3G، وبدأت في الانتشار في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قامت بزيادة الإنتاجية في عملية سرعة نقل البيانات، حيث وصلت إلى 2 ميجابت في الثانية في البداية؛ مما فتح الطريق للاتصالات المرئية وتصفح الويب، وإن كانت محدودة الإمكانيات.

كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وقتًا لتطوير شبكات الجيل الرابع 4G، والتي أعلنت، وفقًا للمعيار الأصلي، عن الحد الأدنى لسرعة تبادل البيانات البالغة 12.5 ميجابت/ثانية - مما جعل من الممكن بث المقاطع المرئية بدقة لائقة، والوصول الكامل إلى موارد الويب وسمح بألعاب الإنترنت عن طريق الهواتف الذكية.

أما شبكات الجيل الخامس التي بدأت فعليًا وبشكل تجاري في عام 2019 ، فتمكنت من رفع شريطة السرعة مما أدى إلى تقليل زمن الوصول بشكل كبير (التأخير في إرسال الإشارة عبر الشبكة الخلوية بين المشترك والخادم) من حوالي 50 مللي ثانية التي كانت في شبكات 4G، إلى 10 مللي ثانية أو أقل في شبكات الجيل الخامس ، لذلك رأينا تطورا كبيرا في الاتصالات بين الآلات بالنفس وأصبحت أكثر فعالية، سواء من حيث إنترنت الأشياء (Internet of Things-IoT) أو أتمتة الأنظمة الصناعية الذي يعرف بإنترنت الأشياء الصناعي (Industrial Internet of Things -IIoT).

معجزات الجيل السادس

ومن المتوقع أن تحل شبكات الجيل السادس (6G)، محل الجيل الخامس من الاتصالات 5G الذي تعتبر شبكات الجيل القادم للهاتف المحمول وتسمى بشبكات 2030. وعلى الرغم أن خصائص هذا الجيل لا تزال قيد المناقشة والبحث، إلا أن السوق فهم خصائص ومتطلبات هذا الجيل وبدأوا بالفعل من أجراء تجارب عليه، حيث يقول الباحثون أن الشبكات الخلوية من الجيل السادس لن تؤدي إلى زيادة هائلة في السرعة فحسب، بل ستُمكِن أيضًا من تحقيق تقنيات متقدمة مثل الشبكات اللاسلكية ثلاثية الأبعاد، والاتصالات الكمومية، وتقنيات التصوير التجسيمي (الهولوجرام)، والأسطح العاكسة الذكية، وتقنيات التخزين المؤقتة الاستباقية للخوادم. وسيعمل الجيل التالي من الاتصالات الخلوية، أي الجيل السادس على توسيع الحدود المتاحة لسرعات تبادل البيانات في شبكات الهاتف المحمول، وتقليل قيم زمن الوصول، وزيادة الإنتاجية، وما إلى ذلك، حيث قدر خبراء هيئة معايير معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات IEEE في عام 2018 أن القدرة الإنتاجية لشبكات 6G ستكون بمعدل 1 تيرابت / ثانية لكل مشترك تقريبا – أي حوالي ما يعادل ثلاثة أوامر من حيث الحجم مما يمكن تحقيقه فعليًا على أجهزة الجيل الخامس.

هذه الإمكانيات التي ستقدمها شبكات الجيل القادم ستفتح عصر ما يعرف بعصر إنترنت كل شيء (Internet of Everything-IoE)، وهو عالم مشبع بأجهزة الاستشعار الذكية وأنظمة الاستجابة اللحظية التي تتواصل باستمرار مع بعضها البعض ومع الناس، والتي يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي.

وتعتقد مجموعة إريكسون (شركة رائدة في مجال توفير أنظمة توصيل البيانات والاتصال عن بعد) أن تقنية الجيل السادس ستسمح للأجهزة المحمولة بالعمل بدون بطاريات، حيث سوف تعمل باستخدام الطاقة البيئية مثل الاهتزازات والضوء وتغيرات درجات الحرارة وحتى عن طريق موجات الراديو.

كما سيتم تقليل استهلاك الطاقة للأدوات الذكية إلى الصفر، مما سيؤدي إلى إزالة جميع المشاكل المرتبطة باستبدال البطاريات وشحنها، وهذا يمكن أن يؤدي إلى توسيع حالات استخدام تطبيقات إنترنت الأشياء بشكل كبير، بما في ذلك الخدمات اللوجستية والتخزين والتسليم والمراقبة البيئية والزراعة والخدمات الطبية كإجراء عملية جراحية عن بعد على سبيل المثال. ومن المميزات المحتملة لشبكات 6G هي التعلم الذاتي، حيث بفضل الواجهة الديناميكية القائمة على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ستتعلم الأجهزة المتصلة بالإنترنت من بعضها البعض ومن البيئة، وستكون الأجهزة قادرة على تحديد أفضل طريقة للتواصل دون مساعدة المختصين.

ويتوقع أن يزداد عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت مع الجيل الجديد، وقد يعني ذلك للبعض مخاوف حول احتمالية زيادة عدد الهجمات السيبرانية، خاصة مع ظهور عالم الواقع المختلط، إلا أن لدى شبكات 6G القدرة الهائلة على الحماية من هذه التهديدات بفضل تقنيات جديدة معتمدة على مفاتيح التعمية الكمومية وتقنيات التشفير المتماثل مثل ما أشارت إليه مختبرات Nokia Bell.

حياة يومية أكثر سلاسة

لن تدعم شبكات الجيل السادس تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) فقط، بل ستغير الحياة اليومية للبشر بفضل مميزاتها وخصائصها المتقدمة. ووفقًا لتوقعات هيئة معايير معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)، فإن هذه التقنية ستحدث ثورة في عدة مجالات. على سبيل المثال، ستستبدل الهواتف المفاتيح والمدفوعات النقدية بشكل كامل، وسيحل الصوت أو الحركة محل الكتابة. وفي مجال الرعاية الصحية، ستساهم أجهزة الاستشعار المزروعة والجراحة عن بُعد والأجهزة القابلة للارتداء في تحسين الخدمات الطبية، وستسهل الصور المجسمة (الهولوجرام) حضور المؤتمرات عبر الإنترنت، وبفضل الأقمار الصناعية، ستمكن تقنية 6G من الوصول إلى الأماكن النائية التي لا يتوفر فيها الإنترنت حاليًا.

وسيتم في المستقبل القريب بفضل هذه الشبكة تبسيط التفاعل مع الروبوتات وأجهزة إنترنت الأشياء والأجهزة القابلة للارتداء، وستتمكن الروبوتات والطائرات بدون طيار من القيام بأعمال خطيرة بدلا من البشر، وستساهم شبكة الـ 6G في جعل التعليم أكثر شمولًا وانتشارًا، كما سيؤدي تحديد موقع الجهاز إلى تحسين تعريف المستخدم وتقليل الاحتيالات. أما في المجال الزراعي، ستتيح المحاصيل الذكية مراقبة المياه والماشية واستخدام المبيدات الحشرية بشكل دقيق. كما ستساهم شبكات 6G الذكية في تحسين توزيع الطاقة بكفاءة أكبر.

المستقبل الجديد على بعد سنوات

لابد أنك تتساءل حول موعد إطلاق هذا الجيل الجديد من الشباكات. حسنًا، إن إنشاء شبكة محمولة من الجيل الجديد أمر معقد للغاية، حيث يتطلب ذلك تكاتف آلاف الباحثين والمطورين على توحيد المعايير التكنولوجية الأساسية قبل البدء في العمل، وحتى الآن، لم يتم تحديد معايير الجيل السادس بعد.

وفي يونيو من عام 2023، تم تقديم أول مقترح في كيفية تطوير معايير الجيل السادس، حيث قدم الاتحاد الدولي للاتصالات - مجموعة الاتصالات الراديوية (ITU-R) - مقترحًا لمعيار تقنيات 6G، وهو مشروع عبارة عن توصيات الإطار الذي سوف تعمل عليه شبكات الجيل القادم، حيث تحتوي هذه التوصية على معلومات أساسية حول سيناريوهات الاستخدام التي ستتحقق في الجيل السادس، وكذلك حول الإمكانيات والخطط الخاصة بتوحيد المعايير الدولية والتسويق التجاري.

وفي مايو 2024، بدأت مجموعة 3GPP، التي تضم شركات الاتصالات والمنظمات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك سامسونج وكوالكوم وآبل وإريكسون ونوكيا وهواوي، في تطوير معايير الجيل السادس (6G)، ومن المقرر أن تعتمد النتائج قبل انتهاء هذا العام، ومن المتوقع أن يبدأ العمل الفني في الربع الثالث من عام 2025.

ولذلك ووفقًا للأبحاث، يمكن توقع بدء تنفيذ تقنيات الجيل السادس (6G) تجاريًا حوالي في عام 2030.

ممكنات فنية لابد منها

ومن المتوقع وكما أسلفنا أن تكون شبكات الجيل الجديد ذات سرعة وإنتاجية عالية، واستهلاك منخفض للطاقة، إلا أن هناك بعض الجدل من قبل رواد الصناعة حول المتطلبات الفنية لتحقيق هذه المميزات. تعتقد إريكسون مثلا أن تقنية الجيل السادس ستتطلب توفر طيف ونطاق كاف لديه قدرات كبيرة لنقل البيانات اللاسلكية مثل الشبكات المتداخلة أو الشَعريَّة (Mesh networking) وشبكات بث أو إرسال عبر الموجات الصغرية (نقل المعلومات أو الطاقة عن طريق الموجات الكهرومغناطيسية)، وتتوقع الشركة ظهور نطاقات طيف وتقنيات راديوية جديدة، مشيرة إلى أن نطاقات التردد الأقل من 1 جيجا هرتز ستظل ضرورية حتى في عصر الجيل السادس.

ومع ذلك، قد تتطلب شبكات 6G استخدام طيف موجي سنتيمتري (7-15 جيجا هرتز)، حيث سيسمح النطاق الترددي الإضافي الذي يقل عن تيرا هرتز (92-300 جيجا هرتز) بتمكين سرعات تزيد عن 100 جيجابايت في الثانية وزمن وصول منخفض للغاية.

وتعتقد مختبرات بيل نوكيا (Nokia Bell Labs) أنه يمكن استخدام الترددات الفرعية التي تقل عن تيراهيرتز في شبكات 6G ، حيث كانت هذه الترددات تعتبر في السابق غير مناسبة للاتصالات الخلوية، لكن هناك تقنيات جديدة يمكن أن تستخدم في شبكات الجيل السادس بشكل أوسع مثل الطيف المستقيم أو ما يسمى بالتشكيل الشعاعي (التشكيل الشعاعي هو عملية التحكم في سعة الإشارة المرسلة و/أو المستقبلة وطورها وفقًا للتطبيق المطلوب وبيئة القناة).

الفجوة بين الجيلين الخامس والسادس

يتميز الجيل الخامس (5G) بسرعته التي تصل إلى 10 جيجابايت في الثانية، مع زمن استجابة أقل من 10 مللي ثانية، ويستخدم عرض نطاق ترددي يصل إلى 100 جيجاهرتز. تركز حالات الاستخدام في 5G على تحسين الاتصال عبر النطاق العريض المتنقل، الاتصالات ذات الموثوقية العالية وزمن الاستجابة المنخفض، بالإضافة إلى الاتصالات الآلية الجماعية. يعتمد الجيل الخامس على بنية أساسية تشمل خلايا صغيرة وأمواجا ملليمترية، وهو تقنية ناضجة تستخدم بالفعل في العديد من الدول وتزداد انتشارًا.

في المقابل، يُتوقع من الجيل السادس أن يقدم سرعة تصل إلى 100 جيجابايت في الثانية أو أكثر، مع زمن استجابة أقل من 1 مللي في ثانية، ويعمل في نطاق التيراهيرتز (THz). التطبيقات المتوقعة تشمل الاتصالات الهولوغرافية، والتصوير عالي الدقة للواقع المعزز والافتراضي (AR/VR)، والتطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وستعتمد شبكة الـ 6G على بنية أساسية تشمل شبكات أرضية وخارج الأرض مثل الأقمار الصناعية لضمان تغطية شاملة. هذه التقنية لا تزال في مرحلة الأبحاث ومن المتوقع أن يبدأ نشرها في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، مع دمجها بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحسين إدارة الشبكات واتخاذ القرارات.

ويمكننا القول إن الاختلاف الرئيس بين شبكات 6G و5G هو السرعة العالية لنقل البيانات. في شبكات 5G تتراوح سرعة نقل البيانات من 1 جيجابايت/ثانية إلى 10 جيجابايت/ثانية، وهو ما يزيد بمقدار 30 مرة عن سرعة شبكات 4G (التي تصل إلى 300 ميجابايت/ثانية). أما في شبكات 6G، فمن المتوقع أن تصل سرعة نقل البيانات إلى 1 تيرابايت/ثانية، مما يجعلها أسرع بمقدار 100 مرة مقارنةً بشبكات 5G.

د. محمود البحري أستاذ مساعد - كلية الحاسوب وتقنية المعلومات، جامعة صحار

تعليقات

التنقل السريع